روائع مختارة | قطوف إيمانية | في رحاب القرآن الكريم | ـ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ـ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
روائع مختارة
الصفحة الرئيسية > روائع مختارة > قطوف إيمانية > في رحاب القرآن الكريم > ـ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ـ


  ـ وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ ـ
     عدد مرات المشاهدة: 2402        عدد مرات الإرسال: 0

قال تعال: {وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلاَئِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَن يَشَاء وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} [الرعد:12].

تظهر هذه الآية الكريمة واحدة من شواهد عظمة الله عز وجل، وهي آية في الكون ظاهرة مشاهدة، تلك السحب التي تملأ أطباق الفضاء فتزمجر بهزيمها ورعودها فتملأ القلوب خوفا ورجاء، فهي خلق من خلق الله عز وجل، تسير بأمره، وتفرغ ماءها بمشيئته، وتسبح بحمده.

يقول ابن كثير: يخبر تعالى أنه هو الذي يسخِّر البرق، وهو ما يُرى من النور اللامع ساطعا من خلل السحاب.

وقوله: {خوفا وطمعا} قال قتادة: خوفا للمسافر، يخاف أذاه ومشقته، وطمعا للمقيم يرجو بركته ومنفعته، ويطمع في رزق الله.

{وينشئ السحاب الثقال} أي: ويخلقها منشأة جديدة، وهي لكثرة مائها ثقيلة قريبة إلى الأرض. قال مجاهد: والسحاب الثقال: الذي فيه الماء.

{ويسبح الرعد بحمده} كما قال تعالى: {وإن من شيء إلا يسبح بحمده} [الإسراء:44] قال موسى بن عبيدة، عن سعد بن إبراهيم قال: يبعث الله الغيث، فلا أحسن منه مضحكا، ولا آنس منه منطقا، فضحكه البرق، ومنطقه الرعد.

وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا عبد الواحد بن زياد، حدثنا الحجاج، حدثني أبو مطر، عن سالم، عن أبيه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع الرعد والصواعق قال: «اللهم، لا تقتلنا بغضبك، ولا تهلكنا بعذابك، وعافنا قبل ذلك».

وقال الإمام أبو جعفر بن جرير: حدثنا أحمد بن إسحاق، حدثنا أبو أحمد، حدثنا إسرائيل، عن أبيه عن رجل، عن أبي هريرة، رفع الحديث قال: إنه كان إذا سمع الرعد قال: «سبحان من يسبح الرعد بحمده»، وروي عن علي رضي الله عنه أنه كان إذا سمع صوت الرعد قال: سبحان من سبحت له، وعن عبد الله بن الزبير أنه كان إذا سمع الرعد ترك الحديث وقال: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، ويقول: إن هذا لوعيد شديد لأهل الأرض، رواه مالك في الموطأ، والبخاري في كتاب الأدب.

وقوله: {ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء} أي: يرسلها نقمة ينتقم بها ممن يشاء، ولهذا تكثر في آخر الزمان، كما قال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن مصعب، حدثنا عمارة عن أبي نضرة، عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «تكثر الصواعق عند اقتراب الساعة، حتى يأتي الرجل القوم فيقول: من صعق تلكم الغداة؟ فيقولون صعق فلان وفلان وفلان».

وقال: حدثنا الحسن بن محمد، حدثنا عفان، حدثنا أبان بن يزيد، حدثنا أبو عمران الجوني، عن عبد الرحمن بن صحار العبدي: أنه بلغه أن نبي الله بعثه إلى جبار يدعوه، فقال: أرأيتم ربكم، أذهب هو؟ أو فضة هو؟ ألؤلؤ هو؟ قال: فبينا هو يجادلهم، إذ بعث الله سحابة فرعدت فأرسل عليه صاعقة فذهبت بقحف رأسه، ونزلت هذه الآية.

وقال أبو بكر بن عياش، عن ليث بن أبي سليم، عن مجاهد قال: جاء يهودي فقال: يا محمد، أخبرني عن ربك، من أي شيء هو من نحاس هو؟ من لؤلؤ؟ أو ياقوت؟ قال: فجاءت صاعقة فأخذته، وأنزل الله: {ويرسل الصواعق فيصيب بها من يشاء}.

وقوله: {وهم يجادلون في الله} أي: يشكون في عظمته، وأنه لا إله إلا هو، {وهو شديد المحال} قال ابن جرير: شديدة مماحلته في عقوبة من طغى عليه وعتا وتمادى في كفره، وهذه الآية شبيهة بقوله: {ومكروا مكرا ومكرنا مكرا وهم لا يشعرون*فإنظر كيف كان عاقبة مكرهم أنا دمرناهم وقومهم أجمعين} [النمل:50،51]، وعن علي، رضي الله عنه: {وهو شديد المحال} أي: شديد الأخذ، وقال مجاهد: شديد القوة -تفسير ابن كثير 4/441-445.

ومع هذا الوعيد الشديد، والقول الصاعق المخيف، فإن هناك من يجادل في الله بغير علم، ويستهزئ بالله وآياته ورسوله، يقول سيد قطب: والعجيب أنه في هول البرق والرعد والصواعق، وفي زحمة تسبيح الرعد بحمده والملائكة من خيفته وزمجرة العواصف بغضبه.. في هذا الهول ترتفع أصوات بشرية بالجدل في الله صاحب كل هذه القوى وباعث كل هذه الأصوات التي ترتفع على كل جدال وكل محال: {وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال}! وهكذا تضيع أصواتهم الضعيفة في غمرة هذا الهول المتجاوب بالدعاء والإبتهال والرعد والقرقعة والصواعق، الناطقة كلها بوجود الله -الذي يجادلون فيه- وبوحدانيته وإتجاه التسبيح والحمد إليه وحده من أضخم مجالي الكون الهائل، ومن الملائكة الذين يسبحون من خيفته وللخوف إيقاعه في هذا المجال، فأين من هذا كله أصوات الضعاف من البشر وهم يجادلون في الله وهو شديد المحال؟! وهم يجادلون في الله وينسبون إليه شركاء يدعونهم معه، ودعوة الله هي وحدها الحق، وما عداها باطل ذاهب، لا ينال صاحبه منه إلا العناء -في ظلال القرآن، تفسير سورة الرعد.

ويؤكد ابن سعدي هذا الدرس المستفاد من الآية فيقول: فإذا كان هو وحده الذي يسوق للعباد الأمطار والسحب التي فيها مادة أرزاقهم، وهو الذي يدبر الأمور، وتخضع له المخلوقات العظام التي يخاف منها، وتزعج العباد وهو شديد القوة، فهو الذي يستحق أن يُعبد وحده لا شريك له -تفسير ابن سعدي ص 250.

المصدر: موقع دعوة الأنبياء.